كل مباراة في كرة القدم هي «عرض ساخر»، أشبه ما تكون بـ «ملهاة الضفادع» التي تكاد أحداثها الفكاهية والصادمة على غرابتها والمعروضة في المسرحية الكوميدية لليوناني أريستوفان، أن تتشابه مع ما نشاهده على أرضية الملعب، حيث تبدع الأخيلة ما يقال إنها مشاهد مذهلة.
لو عدتم إلى مضمون «السرد المبهر» لتلك المسرحية التي تتداخل فيها الأدوار إلى الحد الذي يخلط بين الحقائق، بين ما هو واقعي، وما هو نسج من الخيال، لوجدتم أن تلك «الحبكة الدرامية» تتجدد في كثير من مباريات كرة القدم، وقد كانت مباراة فياريال وليفربول آخر عرض في سخرية، بل وإثارة «ملهاة الضفادع»، فقد عبرت المباراة نهر الضفادع على إيقاع شدو كروي جميل، كانت فيه الغلبة ولا عجب لـ «الريدز» الذين ما مشوا أبداً في دربهم وحيدين، فكلما مشوا مع قدرهم إلا وكانت الأسطورة ثانيهما.
أكثرنا ظن أن ليفربول، وقد أجهز على فياريال الإسباني بهدفين نظيفين في ذهاب نصف نهائي دوري الأبطال، قد أفلح فعلاً في تعطيل «الغواصات الصفراء»، وأن جولة الإياب لن تكون إلا استكمالاً لتأهل هو العاشر من نوعه لـ «الليفر» إلى نهائي الأبطال، وأن هذا التأهل حسم بنسبة تسعين في المائة.
ولم يكن الداهية يورجن كلوب ليوافق أكثرنا على بيع جلد فياريال بهكذا سعر، فقد كان يعرف أن المشي في نهر الضفادع يحتاج إلى جسارة فنية وتكتيكية، فلا سبيل لشل حركة الغواصات بقائدها المحنك أوناي إيمري صائد القروش، إلا بجعل سطح النهر صلداً لا تحركه لا غواصات ولا أعاصير.
وكانت مباراة الإياب صورة طبق الأصل من «ملهاة الضفادع»، أو من «الكوميديا الإلهية» لدانتي، أشياء مشاهدة بالعين المجردة، ولكنها من نوع سوريالي.
يدخل فياريال من أول دقيقة بسعار رهيب، يوقظ النيام وينشر الغمام، يشعل المباراة بهدف مبكر، ثم يتبعه هدفاً ثانياً، ويهدر ثالثاً، وينقضي شوط كامل، وليفربول لا يمشي، بل لا يتحرك، كل شيء فيه مصادر، فكيف يا ترى أفرغ «الليفر» من محتواه؟ كيف تسمر في مكانه، مثل المسمار يضربه الإعصار بعد الإعصار، ولا قدرة لديه على إطفاء لهب النار؟
رأيت لـ «الغواصات الصفراء» من نوع هذا الإعجاز الشيء الكثير، أمام بايرن ميونيخ وأمام ريال مدريد وبرشلونة، لكن من أين سيأتي إيمري للاعبيه برئة ثالثة لاستنشاق عبير المعجزة، وقد استنزفوا في شوطهم الرهيب المخزون البدني كاملاً.
وبالفعل، هذا ما سيحدث مع بداية الشوط الثاني، يعدل كلوب الأوتار، ويتدفق لاعبوه مثل الأنهار، وبسبق إصرار ستعود المباراة إلى ليفربول، ليضع خاتمة حمراء للحكاية، وإن غنت الضفادع، فإن شدو ليفربول يسحر المسامع.
ملخص الرواية، أن ليفربول تأهل إلى النهائي العاشر، بالسيناريو القاهر والغادر.